للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله (قال) وكلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعا من أنواع الخلل أشد، كان العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا أو مظلم فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه.

(قلت) وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦] وقال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى﴾ [طه: ٦٦] قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر، والله أعلم.

[النوع الخامس من السحر]: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية [تارة وعلى ضروب الخيلاء أخرى] (١) كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد-ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة وباكية، إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل، قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل (قلت) يعني ما قاله بعض المفسرين: إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها. قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال بالآلات الخفيفة قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها. (قلت) ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد القدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على العوام منهم. وأما الخواص فهم معترفون بذلك، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغا لهم. وفيهم شبهة على الجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية (٢) الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب فيدخلون في عداد من قال رسول الله فيهم: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وقوله: «حدثوا عني ولا تكذبوا عليّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار» ثم ذكر هاهنا حكاية عن بعض الرهبان وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ضعيف الحركة فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب فتلقي في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف فإذا دخلته الريح يسمع منه صوت كصوت الطائر وانقطع في صومعة ابتناها وزعم أنها على قبر


(١) الزيادة من الرازي.
(٢) الكرامية: فرقة من أهل السنّة، تنسب إلى محمد بن كرام الذي نشأ في سجستان وتوفي ببيت المقدس سنة ٨٦٩ م. والكرامية مجسمون يذهبون إلى أن الله تعالى محدود من جهة العرش وأن شيئا لا يحدث في العالم قبل حدوث أعراض في ذاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>