للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن يحوّل الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ، وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله ونقل عبارته عنه إلى غيرها وسواء نسخ حكمها أو خطها، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة.

وأما علماء الأصول، فاختلفت عباراتهم في حد النسخ والأمر في ذلك قريب، لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ولحظ بعضهم أن رفع الحكم بدليل شرعي متأخر. فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل وعكسه والنسخ لا إلى بدل، وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوطة، في أصول الفقه.

وقال الطبراني: أخبرنا أبو سنبل (١) عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد، أخبرنا أبي أخبرنا العباس بن الفضل، عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله ، فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان، فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين إلى رسول الله ، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله : إنها مما نسخ وأنسي، فالهوا عنها، فكان الزهري يقرؤها: ﴿ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها﴾، بضم النون الخفيفة، سليمان بن الأرقم ضعيف. وقد روى أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن نصر بن داود عن أبي عبيد الله عن عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس وعقيل عن ابن شهاب عن أمامة بن سهل بن حنيف، مثله مرفوعا، ذكره القرطبي (٢).

وقوله تعالى: ﴿أَوْ نُنْسِها﴾، فقرئ على وجهين، ننسأها وننسها، فأما من قرأها بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه نؤخرها. قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباس، «ما ننسخ من آية أو ننسأها»، يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها، وقال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود: «أو ننسأها»، نثبت خطها ونبدل حكمها، وقال عبد بن عمير ومجاهد وعطاء أو ننسأها، نؤخرها ونرجئها. وقال عطية العوفي: أو ننسأها، نؤخرها فلا ننسخها، وقال السدي: مثله أيضا وكذا الربيع بن أنس، وقال الضحاك: «ما ننسخ من آية أو ننسأها»، يعني الناسخ والمنسوخ. وقال أبو العالية: «ما ننسخ من آية أو ننسأها» نؤخرها عندنا، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي، أخبرنا خلف، أخبرنا الخفاف، عن إسماعيل يعني ابن أسلم، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطبنا عمر ، فقال: يقول الله ﷿: «ما ننسخ من آية أو ننسأها»، أي نؤخرها، وأما على قراءة ﴿أَوْ نُنْسِها﴾، فقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: ﴿ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها﴾، قال كان الله ﷿:


(١) في المعجم الصغير للطبراني (١/ ٢٣٧): «أبو شبل».
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>