للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدعياء، فأمر برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط والبر.

قال البخاري : حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة قال: حدثني سالم عن عبد الله بن عمر قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ (١) وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن موسى بن عقبة به. وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك، ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة : يا رسول الله إنا كنا ندعو سالما ابنا، وإن الله قد أنزل ما أنزل، وإنه كان يدخل علي وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال «أرضعيه تحرمي عليه» (٢) الحديث.

ولهذا لما نسخ هذا الحكم أباح زوجة الدعي، وتزوج رسول الله بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة ، وقال ﷿ ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ [الأحزاب: ٣٧] وقال في آية التحريم ﴿وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] احترازا عن زوجة الدعي فإنه ليس من الصلب، فأما الابن من الرضاعة فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا بقوله في الصحيحين «حرّموا من الرضاعة ما يحرم من النسب» (٣).

فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهى عنه في هذه الآية بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، من حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: قدّمنا على رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول «أبينيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» (٤) قال أبو عبيدة وغيره: أبينيّ تصغير بني وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر.

وقوله ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ﴾ في شأن زيد بن حارثة ، وقد قتل في يوم مؤتة سنة


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٣، باب ٢، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٦٢، والترمذي في تفسير سورة ٣٣، باب ٩.
(٢) أخرجه مسلم في الرضاع حديث ٢٦، ٢٨، ٣٠، وأبو داود في النكاح باب ٩، والنسائي في النكاح باب ٩، والنسائي في النكاح باب ٥٣، وأحمد في المسند ٦/ ١٧٤، ٢٢٨، ٢٤٩، ٢٦٩.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٣، باب ٩، ومسلم في الرضاع حديث ٥.
(٤) أخرجه أبو داود في المناسك باب ٦٥، والنسائي في المناسك باب ٢٢٢، وابن ماجة في المناسك باب ٦٢، وأحمد في المسند ١/ ٢٣٤، ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>