للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا.

قال: قال حذيفة : يا ابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله بالخندق، وصلى رسول الله هويا من الليل، ثم التفت فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ -يشترط له النبي أن يرجع-أدخله الله الجنة» قال: فما قام رجل، ثم صلى رسول الله هويا من الليل (١). ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل.

ثم صلى رسول الله هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ -يشترط له رسول الله الرجعة-أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة» فما قام من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله ، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال «يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنّ شيئا حتى تأتينا».

قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله ﷿ تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قرارا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش، لينظر كل امرئ من جليسه، قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل إلى جنبي فقلت: من أنت؟ فقال:

أن فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني لو شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة : فرجعت إلى رسول الله وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل، فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد، وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم (٢).

وقد رواه مسلم (٣) في صحيحه من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان فقال له رجال: لو أدركت رسول الله قاتلت معه وأبليت،


(١) هويا من الليل: أي جزءا من الليل.
(٢) انظر الأثر في سيرة ابن هشام ٢/ ٢٣١، ٢٣٢، وأخرجه أحمد في المسند ٥/ ٣٩٢، ٣٩٣.
(٣) كتاب الجهاد حديث ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>