للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وأول من استحدّ] (١) وأول من قلم أظفاره، وأول من قص الشارب، وأول من شاب فلما رأى الشيب، قال: ما هذا؟ قال: وقار، قال: يا رب زدني وقارا. وذكر ابن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال: أول من خطب على المنابر إبراهيم ، قال غيره: وأول من برّد (٢) البريد وأول من ضرب بالسيف، وأول من استاك، وأول من استنجى بالماء، وأول من لبس السراويل، وروي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : «إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم» (قلت): هذا حديث لا يثبت، والله أعلم. ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية.

قال أبو جعفر بن جرير (٣) ما حاصله: أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع، قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له.

قال: غير أنه قد روي عن النّبي في نظير معنى ذلك خبران أحدهما ما حدثنا به أبو كريب، أخبرنا رشدين بن سعد، حدثني زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس قال: كان النّبي يقول: «ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله، الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: سبحان ﴿اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٧ - ١٨] إلى آخر الآية» قال: والآخر: ما حدثنا به أبو كريب، أخبرنا الحسن عن عطية، أخبرنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : ﴿وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى﴾ [النجم: ٣٧] قال: «أتدرون ما وفى؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «وفّى عمل يومه أربع ركعات في النهار» ورواه آدم في تفسيره عن حماد بن سلمة وعبد بن حميد عن يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير به، ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين، وهو كما قال: فإنه لا يجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه، والله أعلم. ثم قال ابن جرير: ولو قال قائل: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا لأن قوله: ﴿إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً﴾ وقوله: ﴿وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ﴾ [البقرة: ١٢٥]، وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم، (قلت): والذي قاله أولا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله لأن السياق يعطي غير ما قالوه، والله أعلم.


(١) زيادة من القرطبي.
(٢) في القرطبي: «وأول من ثرّد الثريد» وهو الصواب.
(٣) تفسير الطبري ١/ ٥٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>