للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس، فقد أفطر الصائم» (١) هذا هو الظاهر من الآية، وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] وقد ضعف ابن جرير قول قتادة هاهنا، وقال: إنما معنى الإيلاج الأخذ من هذا في هذا، وليس هذا مرادا في هذه الآية، وهذا الذي قاله ابن جرير حق.

وقوله : ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ في معنى قوله:

﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾ قولان [أحدهما] أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات، لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون إلى العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث.

قال البخاري (٢): حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت مع النبي : في المسجد عند غروب الشمس، فقال «يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال : «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾».

حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر : قال: سألت رسول الله عن قوله : ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾ قال : «مستقرها تحت العرش» هكذا أورده هاهنا، وقد أخرجه في أماكن متعددة، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من طرق عن الأعمش به.

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله في المسجد حين غربت الشمس، فقال : «يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال : «فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها ﷿، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها-ثم قرأ- ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾.


(١) أخرجه البخاري في الصوم باب ٣٣، ٤٣، ٤٥، ومسلم في الصيام حديث ٥١، ٥٣، ومسلم في الصيام حديث ٥١، ٥٣. وأحمد في المسند ٤/ ٣٨٠.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٣٦، باب ١.
(٣) المسند ٥/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>