للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَلِكٌ يَجْمَعُ صَامِتَ النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَحَ فَاهُ يَلْتَمِسُ الزِّيَادَةَ، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بِشَجَرٍ فَأَعْجَبَنِي غُصْنٌ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْهَا ناضرة، فَأَرَدْتُ قِطْعَهُ فَنَادَتْنِي شَجَرَةٌ أُخْرَى: يَا عَبْدَ اللَّهِ مِنِّي فَخُذْ حَتَّى نَادَانِي الشَّجَرُ أَجْمَعُ يا عبد الله مني فخذ، فَقَالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَقِلُّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَخْطُبَ الْمَرْأَةَ فَتَدْعُوهُ الْعَشْرُ وَالْعِشْرُونَ إِلَى أَنْفُسِهِنَّ.

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انفرج بي السبيل، فإذا أَنَا بَرَجُلٍ قَائِمٍ عَلَى عَيْنٍ يَغْرِفُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا تَصَدَّعُوا عَنْهُ صَبَّ فِي جَرَّتِهِ فَلَمْ تَعْلَقْ جَرَّتُهُ مِنَ الْمَاءِ بِشَيْءٍ، قَالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ الْقَاصُّ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْعِلْمَ ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بِعَنْزٍ وَإِذَا بِقَوْمٍ قَدْ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهَا، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا، وإذا رجل قد أخذ بذنبها، وإذا راكب قد ركبها، وإذا رجل يحتلبها، فَقَالَ: أَمَّا الْعَنْزُ فَهِيَ الدُّنْيَا، وَالَّذِينَ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهَا يَتَسَاقَطُونَ مِنْ عَيْشِهَا، وَأَمَّا الَّذِي قَدْ أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فَهُوَ يُعَالِجُ مِنْ عَيْشِهَا ضِيقًا، وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ بِذَنَبِهَا فَقَدْ أَدْبَرَتْ عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي رَكِبَهَا فَقَدْ تَرَكَهَا، وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِبُهَا فَبَخٍ بَخٍ ذَهَبَ ذَلِكَ بِهَا.

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أَنَا بَرْجَلٍ يَمْتَحُ عَلَى قَلِيبٍ كُلَّمَا أَخْرَجَ دَلْوَهُ صَبَّهُ فِي الْحَوْضِ فَانْسَابَ الْمَاءُ رَاجِعًا إِلَى الْقَلِيبِ، قَالَ: هَذَا رَجُلٌ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ صَالِحَ عَمَلِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بَرْجَلٍ يَبْذُرُ بَذْرًا فَيُسْتَحْصَدُ فَإِذَا حِنْطَةٌ طَيِّبَةٌ، قَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَبِلَ اللَّهُ صَالِحَ عَمَلِهِ وَأَزْكَاهُ لَهُ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ادن مني فخذ بيدي وأقعدني، فو الله ما قعدت منذ خلقني الله تعالى، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقَامَ يَسْعَى حَتَّى مَا أَرَاهُ، فَقَالَ لَهُ الْفَتَى هَذَا عُمُرُ الْأَبْعَدِ نَفَدَ، أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ، وَأَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَتْكَ أمرني الله تعالى بِقَبْضِ رَوْحِ الْأَبْعَدِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، ثُمَّ أُصَيِّرُهُ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، قَالَ: فَفِيهِ نَزَلَتْ هذه الآية وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ الْآيَةَ «١» ، هَذَا أثر غريب وفي صحته نظر، وتنزيل الْآيَةِ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ كُلَّهُمْ يُتَوَفَّوْنَ وَأَرْوَاحُهُمْ مُتَعَلَّقَةٌ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَمَا جَرَى لِهَذَا الْمَغْرُورِ الْمَفْتُونِ، ذَهَبَ يَطْلُبُ مُرَادَهُ فجاءه ملك الْمَوْتُ فَجْأَةً بَغْتَةً وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يشتهي.

وقوله تعالى: كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ أَيْ كَمَا جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لَمَّا جَاءَهُمْ بِأْسُ اللَّهِ تَمَنَّوْا أَنْ لَوْ آمَنُوا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [غافر: ٨٤- ٨٥] . وقوله تبارك وتعالى: إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ


(١) انظر الأثر في الدر المنثور ٥/ ٤٥٥، ٤٥٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>