للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة (١) فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة، فوضعهما تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى بلغوا كداء (٢)، نادته من ورائه:

يا إبراهيم، إلي من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله قال: فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فصعدت الصفا، فنظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت حتى أتت المروة وفعلت ذلك أشواطا حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ (٣) للموت، فلم تقرها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل ، قال: فقال بعقبه: هكذا، وغمز عقبه على الأرض، فانبثق الماء، فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تحفر، قال: فقال أبو القاسم : «لو تركته لكان الماء ظاهرا» قال:

فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها، قال: فمر ناس من جرهم ببطن الوادي، فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك، وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم، فنظر فإذا هو بالماء، فأتاهم فأخبرهم، فأتوا إليها، فقالوا: يا أم إسماعيل، أتأذنين لنا أن نكون معك ونسكن معك؟ فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مطلع تركتي، قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟ قالت امرأته: ذهب يصيد، قال: قولي له إذا جاء: غيّر عتبة بابك، فلما أخبرته، قال: أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال: إني مطلع تركتي، قال: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد، فقالت:

ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ فقال، ما طعامكم، وما شرابكم؟ فقالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم، قال: فقال أبو القاسم «بركة بدعوة إبراهيم»، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مطلع تركتي، فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له، فقال: يا إسماعيل، إن ربك ﷿ أمرني أن أبني له بيتا: فقال: أطع ربك ﷿، قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه، فقال: إذن أفعل-أو كما قال-قال: فقام فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام فجعل يناوله


(١) الشنة: القربة.
(٢) كداء: جبل بأعلى مكة.
(٣) ينشغ: يشهق.

<<  <  ج: ص:  >  >>