ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان، ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول، ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد سليمان ﵊ على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان ﵊ على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان ﵊ فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة، فقال معاوية ﵁: وما الذي يديره يا أبا إسحاق؟ قال:
تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه دارت تلك الأسود والنسور والطواويس التي في أسفل الكرسي درن إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رؤوسهن على رأس سليمان ﵊ وهو جالس ثم ينضحن جميعا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام. ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراة فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان ﵊ على الناس. وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا.
﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ﴾ قال بعضهم لا ينبغي لأحد من بعدي أي لا يصلح لأحد أن يسلبنيه بعدي كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه لا أنه يحجر على من بعده من الناس والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله وهذا هو ظاهر السياق من الآية وبذلك وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله ﷺ.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إن عفريتا من الجن تفلت عليّ البارحة-أو كلمة نحوها-ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله ﵎ منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان ﵊ ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ (١) قال روح فرده خاسئا وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به.
وقال مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن
(١) أخرجه البخاري في الصلاة باب ٧٥، والأنبياء باب ٤٠، وتفسير سورة ٣٨ باب ٢، وأحمد في المسند ٢/ ٢٩٨.