للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ وَأَنْتَ مُوقِنٌ مُصَدِّقٌ بِمَا أَخْبَرَ الله تعالى مِنَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ وَهُوَ إِعَادَةُ الْأَجْسَامِ بَعْدَ فَنَائِهَا وَهُمْ بِخِلَافِ أَمْرِكَ مِنْ شِدَّةِ تَكْذِيبِهِمْ ويسخرون مِمَّا تَقُولُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ قَتَادَةُ: عَجِبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَخِرَ ضُلَّالُ بَنِي آدَمَ «١» .

وَإِذا رَأَوْا آيَةً أَيْ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى ذَلِكَ يَسْتَسْخِرُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ يَسْتَهْزِئُونَ وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أَيْ إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ إلا سحر مبين أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُونَ بِهِ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ نَعَمْ تُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَا تَصِيرُونَ تُرَابًا وَعِظَامًا وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ أَيْ حقيرون تحت القدرة العظيمة كما قال تبارك وتعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ [النَّمْلِ: ٨٧] وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غَافِرٍ: ٦٠] . ثم قال جلت عظمته: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ أي فإنما هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَدْعُوهُمْ دَعْوَةً وَاحِدَةً أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْأَرْضِ، فإذا هم بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، والله تعالى أعلم.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٦]

وَقالُوا يَا وَيْلَنا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤)

مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦)

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قَيْلِ الْكَفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، فَإِذَا عَايَنُوا أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ نَدِمُوا كُلَّ النَّدَمِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ وَقالُوا يَا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ فتقول الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ وَهَذَا يُقَالُ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التقريع والتوبيخ ويأمر الله تعالى الْمَلَائِكَةَ أَنْ تُمَيِّزَ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَوْقِفِ فِي مَحْشَرِهِمْ وَمَنْشَرِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي بِأَزْوَاجِهِمْ أَشْبَاهَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ وَأَبُو العالية وزيد بن أسلم، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ قَالَ إِخْوَانَهُمْ «٢» . وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ:

سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ قال: أشباههم. قال يجيء أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحاب


(١) اللفظ كما في تفسير الطبري ١٠/ ٤٧٦: عن قتادة قال: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطيه، وسخر منه أهل الضلالة. [.....]
(٢) اللفظ كما في تفسير الطبري ١٠/ ٤٧٩ نظراؤهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>