[طريق أخرى مرسلة أيضا]: قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ﴾ قال: ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى وأن نبي الله ﷺ قال: «إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني؟» فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فقال رجل: يا رسول الله إن ذاك لذو ندبة، فأتبعه ابن مسعود ﵁ أخو هذيل، قال فدخل النبي ﷺ شعبا يقال له شعب الحجون وخط عليه، وخط على ابن مسعود ﵁ خطا ليثبته بذلك، قال: فجعلت أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله ﷺ ثم تلا القرآن فلما رجع رسول الله ﷺ قلت يا رسول الله ما اللغط الذي سمعت؟ قال ﷺ:«اختصموا في قتيل فقضي بينهم بالحق» رواه ابن جرير (١) وابن أبي حاتم.
فهذه الطرق كلها تدل على أنه ﷺ ذهب إلى الجن قصدا فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله ﷿ وشرع الله تعالى لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم، كما قاله ابن عباس ﵄. ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود ﵁، وأما ابن مسعود ﵁ فإنه لم يكن مع رسول الله ﷺ حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيدا منه ولم يخرج مع النبي ﷺ أحد سواه ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي، وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ﷺ ابن مسعود ﵁ ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإمام أحمد، وهي عند مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير «قل أوحي إلي» من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذي لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وتأوله البيهقي على أنه يقول فبتنا بشر ليلة بات بها قوم على غير ابن مسعود ﵁ ممن لم يعلم بخروجه ﷺ إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي،: أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب، حدثنا أبو بكر الإسماعيلي، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عمرو بن يحيى عن جده سعيد بن عمرو قال: كان أبو هريرة ﵁ يتبع رسول الله ﷺ بإداوة لوضوئه وحاجته، فأدركه يوما فقال «من هذا؟» قال: أنا أبو هريرة. قال ﷺ:«ائتني بأحجار أستنج بها ولا تأتني بعظم ولا روثة». فأتيته بأحجار في ثوبي فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته فقلت: يا رسول الله ما بال العظم والروثة؟ قال ﷺ: «أتاني وقد جن نصيبين فسألوني الزاد