للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت، فقال رسول الله : «ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها».

ثم قال للناس: «انزلوا» قالوا: يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول الله سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا:

يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد ، وإن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحقه، فاتهموهم.

قال محمد بن إسحاق: قال الزهري: كانت خزاعة في عيبة رسول الله ، مشركها ومسلمها لا يخفون على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا كان بمكة، فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبدا علينا عنوة، ولا يتحدث بذلك العرب، ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله قال: «هذا رجل غادر» فلما انتهى إلى رسول الله ، كلمه رسول الله بنحو مما كلّم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابيش، فلما رآه رسول الله قال: «هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي» في وجهه فبعثوا الهدي فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، رجع ولم يصل إلى رسول الله إعظاما لما رأى فقال: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صده الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، قالوا: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.

فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا:

صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله فجلس بين يديه فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا، قال وأبو بكر قاعد خلف رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>