للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم» (١) أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به، فقد فرق النبي بين المؤمن والمسلم، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام، وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري ولله الحمد والمنة. ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقا لأنه تركه من العطاء، ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك، وهذا معنى قول ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة واختاره ابن جرير (٢). وإنما قلنا هذا لأن البخاري ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك.

وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد أنهم قالوا في قوله : ﴿وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا﴾ أي استسلمنا خوف القتل والسبي. قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة.

وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله ، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا كما ذكر المنافقون في سورة براءة، وإنما قيل لهؤلاء تأديبا: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد. ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً﴾ أي لا ينقصكم من أجوركم ﴿شَيْئاً﴾ كقوله ﷿: ﴿وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي لمن تاب إليه وأناب.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي إنما المؤمنون الكمل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا﴾ أي لم يشكوا ولا تزلزلوا بل ثبتوا على حال واحدة هي التصديق المحض ﴿وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ﴿أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ أي في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة.

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين، حدثنا عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: إن النبي قال: «المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والذي إذا أشرف على طمع تركه لله


(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١٩، ومسلم في الإيمان باب ٢٣٧.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٤٠٠.
(٣) المسند ٣/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>