﷿» وقوله ﷾: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ﴾ أي أتخبرونه بما في ضمائركم ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ أي لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ يعني الأعراب الذين يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ﷺ يقول الله تعالى ردا عليهم: ﴿قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ﴾ فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ﴿بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي في دعواكم ذلك كما قال النبي ﷺ للأنصار يوم حنين: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلاّلا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟» كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن (١).
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن قيس عن أبي عون، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ قال: جاءت بنو أسد إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم تقاتلك. فقال رسول الله ﷺ: إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم. ونزلت هذه الآية ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ثم قال: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولا نعلم روى أبو عون محمد بن عبيد الله عن سعيد بن جبير غير هذا الحديث ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات فقال: ﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ آخر تفسير سورة الحجرات، ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
(١) أخرجه البخاري في المغازي باب ٥٦، ومسلم في الزكاة حديث ١٣٩، وأحمد في المسند ٤/ ٤٢.