للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد سبه حبسه الله تعالى عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» «١» وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِهِ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ:

سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وأبا طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما يَقُولَانِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من امرئ يخذل امرءا مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فيه من عرضه، إلا خذله الله تعالى فِي مَوَاطِنَ يُحِبُّ فِيهَا نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امرئ ينصر امرءا مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وينتهك فيه من حرمته إلا نصره عز وجل فِي مَوَاطِنَ يُحِبُّ فِيهَا نُصْرَتَهُ» تَفَرَّدَ بِهِ أبو داود «٢» .

[[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٣]]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا لِلنَّاسِ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَهُمَا آدَمُ وَحَوَّاءُ، وَجَعَلَهُمْ شُعُوبًا وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْقَبَائِلِ، وَبَعْدَ الْقَبَائِلِ مَرَاتِبُ أُخَرُ كَالْفَصَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَالْعَمَائِرِ وَالْأَفْخَاذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشُّعُوبِ بُطُونُ الْعَجَمِ، وَبِالْقَبَائِلِ بُطُونُ الْعَرَبِ، كَمَا أَنَّ الْأَسْبَاطَ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ لَخَّصْتُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةٍ مُفْرَدَةٍ جَمَعْتُهَا مِنْ كِتَابِ الْإِنْبَاهِ لِأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمِنْ كِتَابِ (الْقَصْدِ وَالْأُمَمِ فِي مَعْرِفَةِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ) فَجَمِيعُ النَّاسِ فِي الشَّرَفِ بِالنِّسْبَةِ الطِّينِيَّةِ إِلَى آدَمَ وحواء عليهما السلام سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ طَاعَةُ الله تعالى وَمُتَابَعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الْغَيْبَةِ وَاحْتِقَارِ بَعْضِ النَّاسِ بَعْضًا، مُنَبِّهًا عَلَى تَسَاوِيهِمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا أَيْ لِيَحْصُلَ التَّعَارُفُ بَيْنَهُمْ كُلٌّ يَرْجِعُ إِلَى قَبِيلَتِهِ، وقال مجاهد في قوله عز وجل لِتَعارَفُوا كَمَا يُقَالُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَيْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَتْ حِمْيَرُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى مَخَالِيفِهَا، وَكَانَتْ عَرَبُ الْحِجَازِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى قَبَائِلِهَا.

وَقَدْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ يزيد مولى المنبعث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ» «٣» ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.


(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٣٦.
(٢) كتاب الأدب باب ٣٦.
(٣) أخرجه الترمذي في البر باب ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>