للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ﴾ يعني أمثالكم وسلفكم من الأمم السالفة المكذبين بالرسل ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي فهل من متعظ بما أخزى الله أولئك وقدر لهم من العذاب، كما قال تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٤] وقوله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ﴾ أي من أعمالهم ﴿مُسْتَطَرٌ﴾ أي مجموع عليهم ومسطر في صحائفهم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا أبو عامر، حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، حدثني عوف بن الحارث وهو ابن أخي عائشة لأمها عن عائشة أن رسول الله كان يقول: «يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا» (٢) ورواه النسائي وابن ماجة من طريق سعيد بن مسلم بن بانك المدني، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم. وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا من وجه آخر. ثم قال سعيد فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد بن مسلم! لقد حدثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره فأتاه آت في منامه فقال له يا سليمان: [الطويل] لا تحقرنّ من الذنوب صغيرا … ان الصغير غدا يعود كبيرا

إن الصغير ولو تقادم عهده … عند الإله مسطّر تسطيرا

فازجر هواك على البطالة لا تكن … صعب القياد وشمّرن تشميرا

إن المحبّ إذا أحب إلهه … طار الفؤاد وألهم التفكيرا

فاسأل هدايتك الإله بنيّة … فكفى بربك هاديا ونصيرا

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد. وقوله تعالى: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ أي في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ أي عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها. وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون.

وقد قال الإمام أحمد (٣): حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي قال: «المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (٤) انفرد بإخراجه


(١) المسند ٦/ ٧٠، ١٥١.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٢٩.
(٣) المسند ٢/ ١٧٠.
(٤) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ١٨، والنسائي في آداب القضاة باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>