كتب الله لكم، يقول: ما أحل الله لكم، وقال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن ابي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية ﴿وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾؟ قال: أيتهما شئت، عليك بالقراءة الأولى، واختار ابن جرير أن الآية أعم من هذا كله.
قوله ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ أباح تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثني ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد، قال: أنزلت ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ ولم ينزل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أنه يعني الليل والنهار.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام، أخبرنا حصين عن الشعبي، أخبرني عدي بن حاتم قال:
لما نزلت هذه الآية ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ عدت إلى عقالين: أحدهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله فأخبرته بالذي صنعت، فقال «إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل» أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن عدي.
ومعنى قوله: إن وسادك إذا لعريض، أي إن كان ليسع الخيطين: الخيط الأسود والأبيض المرادين من هذه الآية تحتها، فإنهما بياض النهار وسواد الليل، فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب.
وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن حصين، عن الشعبي، عن عدي، قال: أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي، قال «إن وسادك إذا لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك» وجاء في بعض الألفاظ «إنك لعريض القفا» ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف، بل يرجع إلى هذا لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض، والله أعلم. ويفسره رواية البخاري أيضا: حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال:«إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا بل هو سواد الليل وبياض النهار».