للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب، ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله بالحث على السحور.

ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله «تسحروا فإن في السحور بركة» وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص ، قال: قال رسول الله «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» وقال الإمام أحمد، حدثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطباع، حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله «السحور أكلة بركة فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين».

وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة ماء تشبها بالآكلين، ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر، كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الآذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن سالم بن غيلان، عن سليمان بن أبي عثمان، عن عدي بن حاتم الحمصي، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور».

وقد ورد أحاديث كثيرة أن رسول الله سماه الغذاء المبارك، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من رواية حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش عن حذيفة، قال: تسحرنا مع رسول الله ، وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع، وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، قاله النسائي، وحمله على أن المراد قرب النهار، كما قال تعالى: ﴿فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي قارين انقضاء العدة فإما إمساك بمعروف أو ترك للفراق، وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك.

وقد روى عن طائفة كثيرة من السلف، أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت، وعن طائفة كثيرة من التابعين منهم محمد بن علي بن الحسين وأبو مجلز وإبراهيم النخعي وأبو الضحى وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود وعطاء والحسن والحاكم بن عيينة ومجاهد وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش وجابر بن راشد، وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد، ولله الحمد.


(١) مسند أحمد (ج ٤ ص ١٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>