للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم النبي المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فحسنوا الكيل بعد ذلك (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن النضر بن حماد، حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن هلال بن طلق قال: بينما أنا أسير مع ابن عمر فقلت: من أحسن الناس هيئة وأوفاهم كيلا أهل مكة أو أهل المدينة قال: حق لهم، أما سمعت الله تعالى يقول: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾.

وقال ابن جرير (٢): حدثنا أبو السائب، حدثنا ابن فضيل عن ضرار عن عبد الله المكتب عن رجل عن عبد الله قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرّحمن إن أهل المدينة ليوفون الكيل، قال:

وما يمنعهم أن يوفوا الكيل وقد قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ -حتى بلغ- ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ والمراد بالتطفيف هاهنا البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس وإما بالنقصان إن قضاهم، ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك وهو الويل بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ﴾ أي من الناس ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد ﴿وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ أي ينقصون، والأحسن أن يجعل كالوا ووزنوا متعديا ويكون هم في محل نصب، ومنهم من يجعلها ضميرا مؤكدا للمستتر في قوله كالوا ووزنوا ويحذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وكلاهما متقارب.

وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [الإسراء: ٣٥] وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها﴾ [الأنعام: ١٥٢] وقال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ﴾ [الرّحمن: ٩] وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال ثم قال تعالى: متوعدا لهم: ﴿أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي ما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السرائر والضمائر في يوم عظيم الهول كثير الفزع جليل الخطب، من خسر فيه أدخل نارا حامية؟ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ أي يقومون حفاة عراة غرلا في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه.

قال الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» (٣) رواه البخاري من حديث مالك وعبد الله بن


(١) أخرجه ابن ماجة في التجارات باب ٣٥.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٨٣.
(٣) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٤٧، وتفسير سورة ٨٣، ومسلم في الجنة حديث ٦٠، وأحمد في المسند ٢/ ١٣، ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>