للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ قَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا طَلَعَ، وَقَالَ قَتَادَةُ، إِذَا أَضَاءَ وَأَقْبَلَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا نَشَأَ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين.

وقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَتَبْلِيغُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَيْ مَلَكٌ شَرِيفٌ حَسَنُ الْخَلْقِ بَهِيُّ الْمَنْظَرِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ والضحاك وغيرهم ذِي قُوَّةٍ كقوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ [النَّجْمِ: ٥- ٦] أَيْ شَدِيدُ الْخَلْقِ شَدِيدُ الْبَطْشِ وَالْفِعْلِ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ أَيْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، قَالَ أبو صالح في قوله تعالى:

عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ قَالَ جِبْرِيلُ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَيْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَهُوَ مَسْمُوعُ الْقَوْلِ مُطَاعٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى قَالَ قَتَادَةُ مُطاعٍ ثَمَّ أَيْ فِي السَّمَوَاتِ يَعْنِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْنَادِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ هُوَ مِنَ السَّادَةِ وَالْأَشْرَافِ مُعْتَنَى بِهِ انْتُخِبَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ العظيمة.

وقوله تعالى: أَمِينٍ صِفَةٌ لِجِبْرِيلَ بِالْأَمَانَةِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا أَنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ يُزَكِّي عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْمَلَكِيَّ جِبْرِيلَ كَمَا زَكَّى عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْبَشَرِيَّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى:

وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يَعْنِي وَلَقَدْ رَأَى مُحَمَّدُ جِبْرِيلَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةُ جَنَاحٍ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أَيِ الْبَيِّنُ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْأَوْلَى الَّتِي كَانَتْ بِالْبَطْحَاءِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى [النَّجْمِ: ٥- ١٠] كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذلك وتقريره، والدليل عليه أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إِلَّا هذه الرؤيا وَهِيَ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى [النَّجْمِ: ١٣- ١٦] فَتِلْكَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَقَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أَيْ وَمَا محمد على ما أنزله الله إليه بضنين أَيْ بِمُتَّهَمٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالضَّادِ أَيْ بِبَخِيلٍ بَلْ يَبْذُلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ظَنِينٌ وَضَنِينٌ سَوَاءٌ أَيْ مَا هُوَ بِكَاذِبٍ وَمَا هُوَ بِفَاجِرٍ. وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ وَالضَّنِينُ الْبَخِيلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:

كَانَ الْقُرْآنُ غَيْبًا فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَمَا ضَنَّ به على الناس بل نشره وبلغه وَبَذَلَهُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَهُ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» قراءة الضاد.


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>