للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيس عن جندب، هو ابن عبد الله البجلي، ثم العلقي به وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندبا قال أبطأ جبريل على رسول الله فقال المشركون ودع محمدا ربه، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي قالا حدثنا أبو أسامة حدثني سفيان، حدثني الأسود بن قيس أنه سمع جندبا يقول رمى رسول الله بحجر في إصبعه فقال: «هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت؟».

قال فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم، فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت ﴿وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾ والسياق لأبي سعيد، قيل: إن هذه المرأة هي أم جميل امرأة أبي لهب، وذكر أن إصبعه دميت، وقوله هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون ثابت في الصحيحين ولكن الغريب هاهنا جعله سببا لتركه القيام ونزول هذه السورة.

فأما ما رواه ابن جرير (١): حدثنا ابن أبي الشوارب، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي : ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله ﴿وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾ وقال أيضا (٢): حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال أبطأ جبريل على النبي فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك، قال فنزلت ﴿وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾ إلى آخرها فإنه حديث مرسل من هذين الوجهين ولعل ذكر خديجة ليس محفوظا أو قالته على وجه التأسف والحزن، والله أعلم.

وقد ذكر بعض السلف منهم ابن إسحاق أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلى منهبطا عليه وهو بالأبطح ﴿فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى﴾ قال: قال له هذه السورة ﴿وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى﴾ قال العوفي عن ابن عباس: لما نزل على رسول الله القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك، فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه فأنزل الله ﴿ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾ وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء ﴿وَاللَّيْلِ إِذا سَجى﴾ أي سكن فأظلم وادلهم؟ قاله مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وغيرهم، وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا كما قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى﴾ [الليل: ١ - ٢] وقال تعالى: ﴿فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦].


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٣.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>