للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ أي ما تركك ﴿وَما قَلى﴾ أي وما أبغضك.

﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى﴾ أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحا كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خير في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله ﷿، اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: اضطجع رسول الله على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال رسول الله : «ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها» (٢) ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث المسعودي به وقال الترمذي حسن صحيح.

وقوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعده له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي، وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزا كنزا فسر بذلك، فأنزل الله ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم، رواه ابن جرير (٣) من طريقه.

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف، وقال السدي عن ابن عباس من رضاء محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، رواه ابن جرير (٤) وابن أبي حاتم وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة، وهكذا قال أبو جعفر الباقر وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله : «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾».

ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه:


(١) المسند ١/ ٣٩١.
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٤٤، وابن ماجة في الزهد باب ٣.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.
(٤) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>