للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى﴾ وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه، وقيل بعد أن ولد ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل، فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.

وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى﴾ كقوله: ﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا﴾ [الشورى:٥٢] الآية. ومنهم من قال إن المراد بهذا أن النبي ضل في شعاب مكة وهو صغير ثم رجع، وقيل إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام، وكان راكبا ناقة في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق حكاهما البغوي، وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى﴾ أي كنت فقيرا ذا عيال فأغناك الله عمن سواه فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر صلوات الله وسلامه عليه.

وقال قتادة في قوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى﴾ قال: كانت هذه منازل رسول الله قبل أن يبعثه الله ﷿. رواه ابن جرير (١) وابن أبي حاتم وفي الصحيحين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» (٢) وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه» (٣).

ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ أي كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به، قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرّحيم ﴿وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ أي وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد قال ابن إسحاق: ﴿وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ أي وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٥.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ١٥، ومسلم في الزكاة حديث ١٢٠، والترمذي في الزهد باب ٤٠، وابن ماجة في الزهد باب ٩، وأحمد في المسند ٢/ ٣١٢، ٣١٥.
(٣) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>