يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله ﷿ ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ [الدخان: ٣] وهي ليلة القدر وهي من شهر رمضان كما قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥] قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ، ثم قال تعالى معظما لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها فقال: ﴿وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.
قال أبو عيسى الترمذي (١) عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، فقال:
لا تؤنبني رحمك الله، فإن النبي ﷺ أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت ﴿إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر: ١] يا محمد، يعني نهرا في الجنة ونزلت ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم: فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص يوما. ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة وثقه يحيى القطان وعبد الرّحمن بن مهدي قال: وشيخه يوسف بن سعد، ويقال يوسف بن مازن رجل مجهول ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه.
وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به، وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول فيه نظر، فإنه قد روى عنه جماعة، منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء يونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال: هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث والله أعلم، ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر.
(قلت) وقول القاسم بن الفضل الحداني إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص ليس بصحيح، فإن معاوية بن أبي سفيان ﵁ استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين، والأهواز وبعض البلاد قريبا من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية،