للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فيقارب ما قاله للصحة في الحساب والله أعلم.

ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جدا والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل:

ألم تر أن السيف ينقص قدره … إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

وقال آخر:

إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة … على ناقص كان المديح من النقص

ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية والسورة مكية، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته والله أعلم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا مسلم يعني ابن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي ، ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فأنزل الله ﷿ ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.

وقال ابن جرير (١): حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام بن مسلم عن المثنى بن الصباح، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس أخبرنا ابن وهب، حدثني مسلمة بن علي عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما، لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ابن العجوز ويوشع بن نون، قال: فعجب أصحاب رسول الله من ذلك فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيرا من ذلك فقرأ عليه ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٦٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>