فلو لم يصمها أو بعضها قبل العيد، فهل يجوز أن يصومها في أيام التشريق؟ فيه قولان للعلماء وهما للإمام الشافعي أيضا، القديم منهما: أنه يجوز له صيامها لقول عائشة وابن عمر في صحيح البخاري: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي هكذا رواه مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر وقد روي من غير وجه عنهما، ورواه سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي، أنه كان يقول: من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، صامهن أيام التشريق، وبهذا يقول عبيد بن عمير الليثي عن عكرمة والحسن البصري وعروة بن الزبير، وإنما قالوا ذلك لعموم قوله ﴿فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ والجديد من القولين أنه لا يجوز صيامها أيام التشريق لما رواه مسلم عن قتيبة الهذلي ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ«أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله ﷿».
وقوله ﴿وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ﴾ فيه قولان:[أحدهم] إذا رجعتم إلى رحالكم، ولهذا قال مجاهد: هي رخصة إذا شاء صامها في الطريق، وكذا قال عطاء بن أبي رباح. والقول [الثاني] إذا رجعتم إلى أوطانكم، قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن سالم، سمعت ابن عمر قال: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ﴾ قال: إذا رجع إلى أهله، وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة والزهري والربيع بن أنس، وحكى على ذلك أبو جعفر بن جرير الإجماع، وقد قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن ابن عمر قال: تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، فأهل بعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع رسول الله ﷺ، وبدأ رسول الله ﷺ بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس:«من كان منكم أهدى فإنه لا يحل بشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله» وذكر تمام الحديث، قال الزهري: وأخبرني عورة عن عائشة بمثل ما أخبرني سالم عن أبيه، والحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به.
وقوله ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾ قيل: تأكيد، كما تقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، وكتبت بيدي، وقال الله تعالى: ﴿وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] وقال ﴿وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] وقال ﴿وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] وقيل: معنى كاملة الأمر بإكمالها وإتمامها، اختاره ابن جرير، وقيل معنى كاملة أي مجزئة عن الهدي، قال هشيم عن عباد بن راشد عن الحسن البصري في قوله ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾ قال: من الهدي.