للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعرفات، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال «أما بعد-وكان إذا خطب خطبة قال: أما بعد-فإن هذا اليوم الحج الأكبر، ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا هدي أهل الشرك»، هكذا رواه ابن مردويه، وهذا لفظه، والحاكم في مستدركه، كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي عن عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج، وقال الحاكم:

صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد صح وثبت بما ذكرناه سماع المسور من رسول الله لا كما يتوهمه بعض أصحابنا أنه من له رؤية بلا سماع.

وقال وكيع، عن شعبة، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن المعرور بن سويد، قال: رأيت عمر حين دفع من عرفة كأني أنظر إليه رجلا أصلع على بعير له يوضع (١) وهو يقول: إنا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع.

وفي حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي في صحيح مسلم (٢)، قال فيه: فلم يزل واقفا -يعني بعرفة-حتى غربت الشمس، وبدت (٣) الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله وقد شنق للقصواء (٤) الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة السكنية» كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر، حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس.

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه سئل: كيف كان يسير رسول الله حين دفع؟ قال:

كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص. والعنق هو انبساط السير، والنص فوقه.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو محمد ابن بنت الشافعي فيما كتب إليّ عن أبيه أو عمه، عن سفيان بن عيينة قوله ﴿فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ﴾ وهي الصلاتان (٥) جميعا.


(١) أوضع الراكب الدابة: حملها على السير السريع.
(٢) صحيح مسلم (حج حديث ١٤٧)
(٣) في صحيح مسلم «وذهبت».
(٤) القصواء: هي ناقة النبي.
(٥) في الأصل «الصلاتين».

<<  <  ج: ص:  >  >>