للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠]، فقوله ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ أما الخمر، فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أنه كل ما خامر العقل، كما سيأتي بيانه في سورة المائدة، وكذا الميسر وهو القمار.

وقوله ﴿قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ﴾ أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان ولذة الشدة المطربة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته: [الوافر] ونشربها فتتركنا ملوكا … وأسدا لا ينهنهنا اللقاء (١)

وكذا بيعها والانتفاع بثمنها، وما كان يقمشه (٢) بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة، لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما﴾، ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة، ولهذا قال عمر لما قرئت عليه: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩٠ - ٩١] ويأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وبه الثقة، قال ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إن هذه أول آية نزلت في الخمر ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾، ثم نزلت الآية التي في سورة النساء، ثم نزلت الآية التي في المائدة فحرمت الخمر.

قوله ﴿وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ قرئ بالنصب وبالرفع وكلاهما حسن متجه قريب.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله ، فقالا: يا رسول الله، إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا فأنزل الله ﴿وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ﴾ وقال الحكم عن مقسم عن ابن عباس ﴿وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ قال: ما يفضل عن أهلك، كذا روي عن ابن عمر ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والقاسم وسالم وعطاء الخراساني والربيع بن أنس وغير واحد، أنهم قالوا في قوله ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ يعني الفضل، وعن طاوس: اليسير من كل شيء. وعن الربيع أيضا: أفضل مالك وأطيبه والكل يرجع إلى الفضل. وقال عبد بن حميد في تفسيره: حدثنا هوذة بن خليفة، عن عوف، عن الحسن، في الآية ﴿يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾


(١) البيت لحسان في ديوانه ص ٤؛ والكامل ١/ ٧٤؛ والطبري ٢/ ٣٧٢.
(٢) أي يجمعه من هاهنا وهاهنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>