للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال، ذلك ألا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس، ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير (١): حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو عاصم عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار، قال «أنفقه على نفسك» قال: عندي آخر، قال: «أنفقه على أهلك» قال: عندي آخر: قال «أنفقه على ولدك» قال: عندي آخر، قال «فأنت أبصر»؛ وقد رواه مسلم في صحيحه وأخرجه مسلم أيضا عن جابر، أن رسول الله قال لرجل «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا». وعنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» وفي الحديث أيضا «ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف» ثم قد قيل إنها منسوخة بآية الزكاة، كما رواه علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس، وقاله عطاء الخراساني والسدي، وقيل مبينة بآية الزكاة، قاله مجاهد وغيره، وهو أوجه.

وقوله ﴿كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه ووعده ووعيده، لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا أبو أسامة عن الصعق العيشي، قال: شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من البقرة ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ قال: هي والله لمن تفكر فيها ليعلم أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء، وليعلم أن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء، وهكذا قال قتادة وابن جريج وغيرهما، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: لتعلموا فضل الآخرة على الدنيا. وفي رواية عن قتادة: فآثروا الآخرة على الأولى.

وقوله ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ الآية، قال ابن جرير (٢): حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا جرير عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ و ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ [النساء: ١٠] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله فأنزل الله: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ﴾ فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. وهكذا رواه أبو داود


(١) تفسير الطبري ٢/ ٣٧٨.
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٩٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>