للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وإن أصابه-يعني ثوبه-شيء غسل مكانه لم يعده وصلّى فيه، فأما ما رواه أبو داود (١) حدثنا سعيد بن عبد الجبار، حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد، عن أبي اليمان، عن أم ذرة، عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال (٢) على الحصير، فلم نقرب رسول الله ولم ندن منه حتى نطهر، فهو محمول على التنزه والاحتياط.

وقال آخرون: إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار، كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة بنت الحارث الهلالية قالت: كان النبي إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض، وهذا لفظ البخاري، ولهما عن عائشة نحوه، وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث العلاء، عن حزام بن حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار.

ولأبي داود أيضا عن معاذ بن جبل، قال: سألت رسول الله عما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل» وهو رواية عن عائشة كما تقدم وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح.

فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي ، الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم، ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله ﷿ الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج، ثم من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر الله ويتوب إليه، وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا؟ فيه قولان: [أحدهما] نعم، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي في الذي يأتي امرأته وهي حائض، يتصدق بدينار أو نصف دينار، وفي لفظ للترمذي «إذا كان دما أحمر فدينار، وإن كان دما أصفر فنصف دينار» وللإمام أحمد أيضا عنه أن رسول الله ، جعل في الحائض تصاب دينارا، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل، فنصف دينار. [والقول الثاني] وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور أنه لا شيء في ذلك، بل يستغفر الله ﷿ لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث، فإنه قد روي مرفوعا كما تقدم، وموقوفا وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث، فقوله تعالى:

﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾ تفسير قوله ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجودا، ومفهومه حله إذا انقطع. قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فيما أملاه في الطاعة: وقوله ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ﴾ الآية، الطهر يدل


(١) سنن أبي داود (طهارة باب ١٠٦)
(٢) المثال: الفراش.

<<  <  ج: ص:  >  >>