على أن يقربها، فلما قالت ميمونة وعائشة: كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله ﷺ في شعاره، دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
وقوله ﴿فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله ﴿فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ وليس له في ذلك مستند، لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق، هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم، ومنهم من يقول: إنه للإباحة، ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له من الوجوب، وفيه نظر، والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإن كان واجبا، فواجب كقوله ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] أو مباحا فمباح كقوله ﴿وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢] ﴿فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] وعلى هذا القول تجتمع الأدلة، وقد حكاه الغزالي وغيره، فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح، وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه، إلا أن أبا حنيفة ﵀ يقول، فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل، والله أعلم، وقال ابن عباس ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾ أي من الدم ﴿فَإِذا تَطَهَّرْنَ﴾ أي بالماء، وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
وقوله ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني الفرج. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ أي تعتزلوهن، وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر، كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله تعالى. وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ يعني طاهرات غير حيّض، ولهذا قال ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ﴾ أي من الذنب وإن تكرر غشيانه ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ أي المتنزهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتي.
وقوله ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: الحرث موضع الولد ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ﴾ أي كيف شئتم، قال: سمعت جابرا قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ﴾ ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري: أن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول،