للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرير (١): حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رسول الله ، قال لما نزلت عليه هذه الآية «ويحق له أن يؤمن» وقد روى الحاكم في مستدركه (٢): حدثنا أبو النضر الفقيه، حدثنا معاذ بن نجدة القرشي، حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت هذه الآية على النبي ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ قال النبي : «حق له أن يؤمن»، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقوله ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ عطف على الرسول، ثم أخبر عن الجميع فقال ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد ، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين، وقوله ﴿وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا﴾ أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه، وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه، ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ سؤال للمغفرة والرحمة واللطف، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ قال: قد غفرت لكم ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير (٣): حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن بيان، عن حكيم، بن جابر، قال: لما نزلت على رسول الله ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه، فسأل ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها﴾ إلى آخر هذه الآية، وقوله ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها﴾ أي لا يكلف أحدا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾ أي هو وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما مالا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان، وقوله ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ أي من خير ﴿وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾ أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف.


(١) تفسير الطبري ٣/ ١٥٢.
(٢) انظر الدر المنثور ١/ ٦٦٤.
(٣) تفسير الطبري ٣/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>