للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى مرشدا عباده إلى سؤاله، وقد تكلف لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا﴾ أي إن تركنا فرضا على جهة النسيان، أو فعلنا حراما كذلك، أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلا منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، قال «قال الله: نعم» ولحديث ابن عباس، قال الله «قد فعلت».

وروى ابن ماجة (١) في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي، عن عطاء؛ قال ابن ماجة في روايته عن ابن عباس، وقال الطبراني وابن حبان، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن شهر، عن أم الدرداء، عن النبي ، قال «إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان، والاستكراه» قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآنا ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا﴾.

وقوله ﴿رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا﴾ أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم، التي بعثت نبيك محمدا ، نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيف السهل السمح، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله ، قال «قال الله: نعم» وعن ابن عباس، عن رسول الله ، قال «قال الله قد فعلت». وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله أنه قال: «بعثت بالحنيفية السمحة».

وقوله ﴿رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به، وقد قال مكحول في قوله ﴿رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ قال: الغربة والغلمة، [والإنعاظ] (٢) رواه ابن أبي حاتم، قال الله: نعم، وفي الحديث الآخر: قال الله: قد فعلت.

وقوله ﴿وَاعْفُ عَنّا﴾ أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا ﴿وَاغْفِرْ لَنا﴾ أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة ﴿وَارْحَمْنا﴾ أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر، ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفوالله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدم في الحديث أن الله قال: نعم، وفي الحديث الآخر: قال الله: قد فعلت.


(١) سنن ابن ماجة (طلاق باب ١٦)
(٢) الزيادة من الدر المنثور (١/ ٦٦٧) من إخراج ابن أبي حاتم عن مكحول.

<<  <  ج: ص:  >  >>