للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهد تعالى وكفى به شهيدا وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم، وأصدق القائلين ﴿أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ أي المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه، وهو الغني عما سواه، كما قال تعالى: ﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٦]، ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته، فقال ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ﴾ وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام ﴿قائِماً بِالْقِسْطِ﴾ منصوب على الحال وهو في جميع الأحوال كذلك ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ تأكيد لما سبق، ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو القرشي، حدثنا أبو سعيد الأنصاري عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام، قال: سمعت النبي وهو بعرفة يقرأ هذه الآية ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.

وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال: حدثنا علي بن حسين، حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني، حدثنا عمر بن حفص بن ثابت أبو سعيد الأنصاري، حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عن الزبير، قال سمعت رسول الله حين قرأ هذه الآية ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ﴾ قال: «وأنا أشهد أي رب».

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا عبدان بن أحمد وعلي بن سعيد الرازي، قالا: حدثنا عمار بن عمر بن المختار، حدثني أبي، حدثني غالب القطان قال:

أتيت الكوفة في تجارة، فنزلت قريبا من الأعمش، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر (٢) قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾ ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾ قالها مرارا، قلت: لقد سمع فيها شيئا فغدوت إليه فودعته ثم قلت: يا أبا محمد، إني سمعتك تردد هذه الآية، قال: أو ما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ شهر لم تحدثني. قال: والله لا أحدثك بها إلى سنة، فأقمت سنة، فكنت على بابه، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد، قد مضت السنة قال: حدثني أبو وائل عن عبد الله، قال: قال رسول الله «يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله ﷿: عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة».

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾ إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد


(١) المسند (ج ١ ص ١٦٦)
(٢) أي أردت مغادرة المكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>