للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ، فمن لقي الله بعد بعثة محمد بدين على غير شريعته فليس بمتقبل، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]، وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾.

وذكر ابن جرير أن ابن عباس قرأ «شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن الدين عند الله الإسلام»، بكسر (١) إنه، وفتح أن الدين عند الله الإسلام، أي شهد هو والملائكة وأولوا العلم من البشر بأن الدين عند الله الإسلام، والجمهور قرءوها بالكسر على الخبر، وكلا المعنيين صحيح، ولكن هذا على قول الجمهور أظهر، والله أعلم.

ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول، إنما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتاب عليهم، فقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي بغى بعضهم على بعض فاختلفوا في الحق لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت حقا، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ﴾ أي من جحد ما أنزل الله في كتابه ﴿فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ أي فإن الله سيجازيه على ذلك ويحاسبه على تكذيبه، ويعاقبه على مخالفته كتابه.

ثم قال تعالى ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾ أي جادلوك في التوحيد ﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ أي فقل: أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له ولا ند له، ولا ولد له، ولا صاحبة له، ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ أي على ديني يقول كمقالتي، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨]، ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد أن يدعو إلى طريقته ودينه والدخول في شرعه وما بعثه الله به، الكتابيين من المليين والأميين من المشركين، فقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ﴾ أي والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ﴾ أي هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة، وهو الذي ﴿لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وما ذلك إلا لحكمته ورحمته وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ [الأعراف: ١٥٨] وقال تعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ﴾


(١) تفسير الطبري ٣/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>