للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشرفه، ثم قال تعالى: ﴿مَقامُ إِبْراهِيمَ﴾ يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله إسماعيل، وقد كان ملتصقا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف، لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال:

﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥] وقد قدمنا الأحاديث في ذلك فأغنى عن إعادتها هاهنا، ولله الحمد والمنة.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ﴾ أي فمنهنّ مقام إبراهيم والمشعر. وقال مجاهد: أثر قدميه في المقام آية بينة، وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة: [الطويل] وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة … على قدميه حافيا غير ناعل

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد وعمرو الأودي، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿مَقامُ إِبْراهِيمَ﴾ قال: الحرم كله مقام إبراهيم، ولفظ عمرو: الحجر كله مقام إبراهيم، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحج مقام إبراهيم هكذا رأيته في النسخة، ولعله الحجر كله مقام إبراهيم، وقد صرح بذلك مجاهد.

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج. وقال ابن أبي حاتم:

حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى التّيمي، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه، وقال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]، وقال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٤] وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعا وموقوفا. ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله يوم الفتح فتح مكة «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» (١) وقال يوم الفتح فتح مكة «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات


(١) صحيح البخاري (إيمان باب ٤١ وصيد باب ١٠ وجهاد باب ١) وصحيح مسلم (جهاد حديث ٢) وسنن الترمذي (سير باب ٣٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>