للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى ﴿وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا.

هذا حاصل كلامه (١) موجها ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا معا، ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأوصل ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم.

ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف، والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به. وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر: [الرجز] قلنا لها قفي لنا فقالت قاف … لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف (٢)

تعني وقفت. وقال الآخر: [الرجز] ما للظليم عال (٣) كيف لا يا … ينقد عنه جلده إذا يا (٤)

فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل. وقال الآخر:

[الرجز] بالخير خيرات وإن شرافا … ولا أريد الشر إلا أن تا (٥)

يقول: وإن شرا فشرا ولا أريد الشر إلا أن تشاء، فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن


(١) تفسير الطبري ١/ ١٢٠ - ١٢٩.
(٢) الرجز للوليد بن عتبة في الأغاني ٥/ ١٣١؛ وشرح شواهد الشافية في ٢٧١؛ ومشكل القرآن ص ٢٣٨؛ وبلا نسبة في لسان العرب (وقف)؛ والطبري ١/ ١٢٢؛ وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٧٩؛ وتاج العروس (سين). والإيجاف: حث الدابة على سرعة السير، وهو الوجيف.
(٣) كذا أيضا برواية الطبري. وقوله عال: دعاء عليه، من قولهم: عال عوله أي ثكلته أمه، فاختصر. و «يا» في البيت الأول كأنه أراد أن يقول «ينقد عنه … » فوقف، ثم عاد يقول «ينقد». و «يا» في الآخر: أي إذا يعدو هذا العدو. وفي رواية اللسان: «عاك» في موضع «عال». قال ابن سيده: عاك عيكانا: مشى وحرّك منكبيه. (اللسان: عيك)
(٤) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (يا)؛ وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٧٠؛ وتاج العروس (يا)؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٦٧؛ والطبري ١/ ١٢٣.
(٥) البيت بلا نسبة في الطبري ١/ ١٢٣؛ والكتاب ٢/ ٦٢؛ والكامل للمبرد ١/ ٢٤٠؛ والموشح للمرزباني ص ١٢٠؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٦٢. ونسب في شرح شواهد الشافية ص ٢٦٤ للقيم بن أوس. وهو منسوب إلى زهير بن أبي سلمى في القرطبي ١/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>