للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد. وعن الحسن البصري: المراد بذلك يوم الأحزاب. رواه ابن جرير (١)، وهو غريب لا يعول عليه.

وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة. قال قتادة: لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال. وقال عكرمة: يوم السبت للنصف من شوال، فالله أعلم، وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان قال أبناء من قتل، ورؤساء من بقي لأبي سفيان: أرصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك، فجمعوا الجموع والأحابيش، وأقبلوا في نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة، فصلى رسول الله يوم الجمعة، فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو، واستشار رسول الله الناس «أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة»؛ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم، فدخل رسول الله فلبس لأمته وخرج عليهم، وقد ندم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرهنا رسول الله ، فقالوا:

يا رسول الله إن شئت أن نمكث، فقال رسول الله «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له» فسار في ألف من أصحابه، فلما كانوا بالشوط، رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضبا لكونه لم يرجع إلى قوله، وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالا لا تبعناكم، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم. واستمر رسول الله سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي. وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال». وتهيأ رسول الله للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه. وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف. والرماة يومئذ خمسون رجلا، فقال لهم «انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم». وظاهر (٢) رسول الله بين درعين، وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار. وأجاز رسول الله بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين، وتعبّأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار، ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات، إن شاء الله تعالى، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ﴾ أي تنزلهم منازلهم، وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم


(١) تفسير الطبري ٣/ ٤١٥.
(٢) أي لبس درعا فوق درع.

<<  <  ج: ص:  >  >>