للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميع لما تقولون، عليم بضمائركم (١).

وقد أورد ابن جرير هاهنا سؤالا حاصله: كيف تقولون إن النبي سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ﴾ الآية؟ ثم كان جوابه عنه: أن غدوه ليبوأهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار (٢). وقوله تعالى: ﴿إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا﴾ الآية، قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: قال عمر: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت ﴿إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا﴾ الآية، قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب-وقال سفيان مرة وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى: ﴿وَاللهُ وَلِيُّهُما﴾ وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به. وكذا قال غير واحد من السلف: إنهم بنو حارثة وبنو سلمة.

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ﴾ أي يوم بدر، وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك، وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فرسان وسبعون بعيرا، والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه. وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض (٣) والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد، فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض وجه النبي وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أي قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً﴾ -إلى- ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٢٥]. وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سماك، قال: سمعت عياضا الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض وليس عياض هذا الذي حدث سماكا قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال:

فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرا، وأحصن جندا: الله ﷿ فاستنصروه، فإن محمدا قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا، فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ، قال: وأصبنا أموالا فتشاورنا، فأشار


(١) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٦٣.
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٤١٦.
(٣) البيض: الخوذ.
(٤) مسند أحمد: ١/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>