للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ:

لَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَا لِي أَرَاكَ جَفَوْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرحمن: أبلغه أني لم أفر يوم حنين، قَالَ عَاصِمٌ: يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: وَلَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ أَتْرُكْ سُنَّةَ عُمَرَ، قَالَ: فانطلق فأخبر بذلك عثمان، قال: فقال عثمان: أما قوله إني لم أفر يوم حنين، فَكَيْفَ يُعَيِّرُنِي بِذَنْبٍ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنِّي تَخَلَّفْتُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أُمَرِّضُ رُقَيَّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مَاتَتْ وَقَدْ ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ، وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ فقد شهد، وأما قوله إني تركت سُنَّةً عُمَرَ فَإِنِّي لَا أُطِيقُهَا وَلَا هُوَ، فأته فحدثه بذلك.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)

يَنْهَى تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ فِي اعْتِقَادِهِمُ الْفَاسِدِ، الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْأَسْفَارِ والحروب، لَوْ كَانُوا تَرَكُوا ذَلِكَ لَمَا أَصَابَهُمْ مَا أصابهم، فقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ أَيْ عَنْ إِخْوَانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَيْ سَافَرُوا لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ كانُوا غُزًّى أي كانوا فِي الْغَزْوِ لَوْ كانُوا عِنْدَنا أَيْ فِي الْبَلَدِ مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا أَيْ مَا ماتوا في السفر، وما قتلوا في الغزو وقوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ خَلَقَ هَذَا الِاعْتِقَادَ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً عَلَى مَوْتِهِمْ وَقَتْلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ أَيْ بِيَدِهِ الْخَلْقُ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ، وَلَا يَحْيَا أَحَدٌ وَلَا يموت أحد إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقَدَرِهِ، وَلَا يُزَادُ فِي عُمُرِ أحد ولا ينقص منه شيء إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي علمه وَبَصَرُهُ نَافِذٌ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا يَخْفَى عليه من أمورهم شيء، وقوله تعالى: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَوْتَ أَيْضًا، وَسِيلَةٌ إِلَى نَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ فِي الدنيا جمع حطامها الفاني، ثم أخبر تعالى بِأَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَمَصِيرُهُ وَمَرْجِعُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجْزِيهِ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَقَالَ تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.


(١) مسند أحمد ١/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>