للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.

وقوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ﴾ [البقرة: ١٥٥] إلى آخر الآيتين، أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً﴾ يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما نالهم من الذي من أهل الكتاب والمشركين، وآمرا لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره، قال: كان النبي وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى:

﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً﴾ قال: وكان رسول الله يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، هكذا ذكره مختصرا.

وقد ذكره البخاري (١) عند تفسير هذه الآية مطولا، فقال: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد، حدثه أن رسول الله ركب على حمار عليه قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله ، ثم وقف، فنزل، ودعاهم إلى الله ﷿ وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا. ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي «يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب» يريد عبد الله بن أبي، قال: كذا وكذا، فقال سعد: يا رسول الله، اعف عنه واصفح، فوالله الذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة (٢) على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما


(١) صحيح البخاري (تفسير صورة آل عمران باب ١٥)
(٢) يريد المدينة النبوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>