للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدِمَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ مُضَرَ وَهُمْ مُجْتَابُو النِّمَارِ «١» - أَيْ مِنْ عُرْيِهِمْ وَفَقْرِهِمْ- قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ. وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الْحَشْرِ: ١٨] ، ثُمَّ حَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ صَاعِ بره، من صَاعِ تَمْرِهِ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ «٢» وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ، وَفِيهَا: ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ هَذِهِ مِنْهَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الآية.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٢ الى ٤]

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)

يَأْمُرُ تَعَالَى بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، وَيَنْهَى عَنْ أَكْلِهَا وَضَمِّهَا إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ:

لَا تَعْجَلْ بِالرِّزْقِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ الَّذِي قُدِّرَ لك. وقال سعيد بن جبير:

لا تتبدلوا الْحَرَامَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْحَلَالِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، يَقُولُ: لَا تُبَذِّرُوا أَمْوَالَكُمُ الْحَلَالَ وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمُ الْحَرَامَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ: لَا تُعْطِ مَهْزُولًا وَتَأْخُذْ سَمِينًا.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالضَّحَّاكُ: لَا تُعْطِ زَائِفًا وَتَأْخُذْ جَيِّدًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَأْخُذُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ غنم اليتيم، ويجعل مَكَانَهَا الشَّاةَ الْمَهْزُولَةَ وَيَقُولُ: شَاةٌ بِشَاةٍ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ الْجَيِّدَ وَيَطْرَحُ مَكَانَهُ الزَّيِّفَ وَيَقُولُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ.

وَقَوْلُهُ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جبَيْرٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَالسُّدِّيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: أَيْ لَا تَخْلِطُوهَا فَتَأْكُلُوهَا جَمِيعًا.

وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ إِثْمًا كَبِيرًا عظيما. وروى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن قَوْلِهِ حُوباً كَبِيراً قَالَ: «إِثْمًا كَبِيرًا» وَلَكِنْ في إسناده محمد بن يوسف الكديمي وهو ضعيف وروي هكذا عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وَأَبِي مَالِكٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِي سِنَانٍ مَثَلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا» .

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَاصِلٍ مولى أبي عيينة عن ابن سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ كَانَ حُوبًا» قَالَ ابْنُ سِيرِينَ:


(١) اجتاب: لبس. والنمار: جمع نمرة، وهي شملة مخططة من مآزر الأعراب.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>