للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج به، ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر.

حديث آخر عن جابر في سبب نزول الآية قال أحمد (١): حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد الله هو ابن عمرو الرقي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله ، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فقال «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك». وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل به، قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه. والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسبب الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات، ولم يكن له بنات، وإنما كان يرث كلالة، ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري فإنه ذكره هاهنا، والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية، والله أعلم.

فقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ أي يأمركم بالعدل فيهم، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى، وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبين ولدها، فجعلت تدور على ولدها، فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته. فقال رسول الله لأصحابه «أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك»؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال «فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (٢) وقال البخاري هاهنا (٣): حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل


(١) مسند أحمد ٣/ ٣٥٢.
(٢) صحيح البخاري (أدب باب ١٨) وصحيح مسلم (توبة حديث ٢٢)
(٣) صحيح البخاري تفسير سورة النساء باب ٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>