للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواه ابن جرير (١) في تفسيره فقال: حدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: السدس الذي حجبته الإخوة الأم لهم، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم، ثم قال ابن جرير: وهذا قول مخالف لجميع الأمة.

وقد حدثني يونس، أخبرنا سفيان، أخبرنا عمرو عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس أنه قال:

الكلالة من لا ولد له ولا والد.

وقوله ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ﴾ أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة. وقد روى أحمد والترمذي وابن ماجة وأصحاب التفاسير من حديث أبي إسحاق عن الحارث بن عبد الله الأعور، عن علي بن أبي طالب، قال: إنكم تقرأون ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ﴾ وإن رسول الله قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات (٢)، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. (قلت) لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب، فالله أعلم.

وقوله ﴿آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ أي إنما فرضنا للآباء والأبناء، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللأبوين الوصية، كما تقدم عن ابن عباس، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم، لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي أو الأخروي أو هما من أبيه ما لا يأتيه من ابنه، وقد يكون بالعكس، ولذا قال ﴿آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ أي كأن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر، فلهذا فرضنا لهذا وهذا، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث، والله أعلم.

وقوله ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللهِ﴾ أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض، هو فرض من الله حكم به وقضاه، والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها، ويعطي كلاّ ما يستحقه يحسبه، ولهذا قال ﴿إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.


(١) تفسير الطبري ٣/ ٦٢٢.
(٢) أبناء العلاّت: هم أبناء رجل واحد من أمهات مختلفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>