للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولا به في الجاهلية، ولهذا قال ﴿إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ﴾ كما قال ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٣] قال: وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة، تزوج بامرأة أبيه، فأولدها ابنه النضر بن كنانة، قال: وقد قال «ولدت من نكاح لا من سفاح» قال: فدل على أنه كان سائغا لهم ذلك، فإن أراد أنهم كانوا يعدونه نكاحا فيما بينهم. فقد قال ابن جرير (١): حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، حدثنا قراد، حدثنا ابن عيينة عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل الله تعالى ﴿وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ﴾ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾، وهكذا قال عطاء وقتادة، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر، والله أعلم، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الآية، مبشع غاية التبشع، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً﴾ وقال ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] وقال ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٣٢] فزاد هاهنا ﴿وَمَقْتاً﴾ أي بغضا أي هو أمر كبير في نفسه، ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي وهو كالأب، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه.

وقال عطاء بن أبي رباح في قوله ﴿وَمَقْتاً﴾ أي يمقت الله عليه، ﴿وَساءَ سَبِيلاً﴾ أي وبئس طريقا لمن سلكه من الناس، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال. كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب، عن خاله أبي بردة-وفي رواية: ابن عمر، وفي رواية: عن عمه-أنه بعثه رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله. وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا هشيم، حدثنا أشعث عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: مر بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النبي فقلت له: أي عم أين بعثك النبي؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه.

مسألة: وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة، واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية، فعن الإمام أحمد أنها تحرم أيضا بذلك، وقد روى الحافظ بن عساكر في ترجمة خديج الحمصي مولى معاوية قال: اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة، فأدخلها عليه مجردة


(١) المرجع السابق.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>