للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه، فقال: كنا مع رسول الله في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل (١)، ومنا من هو في جشره (٢)، إذ نادى منادي رسول الله : الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله فقال:

«إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن با لله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر، قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله، آنت سمعت هذا من رسول الله ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله تعالى يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ [النساء: ٢٩] قال: فسكت ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله (٣).

والأحاديث في هذا كثيرة. وقال ابن جرير (٤): حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن مفضل، حدثنا أسباط عن السدي في قوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ قال: بعث رسول الله سرية عليها خالد بن الوليد وفيها عمار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبا منهم عرّسوا وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا غير رجل فأمر أهله فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفع فأقم، فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله، فبلغ عمارا الخبر، فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني، فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير، فاستبا عند رسول الله فقال خالد: أتترك هذا العبد


(١) انتضل القوم وتناضلوا: تراموا بالسهام.
(٢) الجشر: الدواب.
(٣) صحيح مسلم (إمارة حديث ٤٦)
(٤) تفسير الطبري ٤/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>