للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأجدع يسبني، فقال رسول الله «يا خالد لا تسب عمارا فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغضه يبفضه الله، ومن يلعن عمارا يلعنه الله» فغضب عمار فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي عنه فأنزل الله ﷿ قوله ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدي مرسلا، ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره بنحوه والله أعلم.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ يعني أهل الفقه والدين، وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ يعني العلماء والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم. وقد قال تعالى: ﴿لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [المائدة: ٦٣] وقال تعالى ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» (١)، فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى ﴿أَطِيعُوا اللهَ﴾ أي اتبعوا كتابه ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي خذوا بسنته ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح «إنما الطاعة في المعروف»، وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الرحمن حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عن النبي قال «لا طاعة في معصية الله». وقوله ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهذا أمر من الله ﷿ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ [الشورى: ١٠] فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر، وقوله ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾ أي التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع خير ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد.

وقال مجاهد: وأحسن جزاء وهو قريب.


(١) صحيح البخاري (أحكام باب ١) وصحيح مسلم (إمارة حديث ٣٢) وسنن النسائي (بيعة باب ٢٧)
(٢) مسند أحمد ٤/ ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>