للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتفعت أصواتكما؟» فقال رجل: يا رسول الله، قال أبو بكر: يا رسول الله الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا؛ فقال رسول الله : «فما قلت يا عمر؟» فقال: قلت الحسنات والسيئات من الله؛ فقال رسول الله : «إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل؛ فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر؛ وقال جبريل مقالتك يا عمر» فقال: «نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض، فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله». ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال: «احفظا قضائي بينكما، لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس».

قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة.

ثم قال تعالى مخاطبا لرسوله والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب ﴿ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ أي من فضل الله ومنه ولطفه ورحمته ﴿وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ أي فمن قبلك، ومن عملك أنت، كما قال تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ أي بذنبك. وقال قتادة في الآية ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك. قال:

وذكر لنا أن النبي قال: «لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفوالله أكثر» وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلا في الصحيح (١) «والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا حزن، ولا نصب، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه».

وقال أبو صالح ﴿وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك، رواه ابن جرير (٢)، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمار، حدثنا سهل يعني ابن بكار، حدثنا الأسود بن شيبان، حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطرف عن مطرف بن عبد الله، قال:

ما تريدون من القدر أما تكفيكم الآية التي في سورة النساء ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾؟ أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون.

وهذا كلام متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضا. ولبسطه موضع آخر. وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً﴾ أي تبلغهم شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه ﴿وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضا بينك وبينهم، وعالم بما تبلغهم


(١) صحيح البخاري (مرض باب ١) وصحيح مسلم (بر حديث ٥٠ و ٥١ و ٥٢)
(٢) تفسير الطبري ٤/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>