وقوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ أي خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك، هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي ﴿يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ أي قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو إنتاج أو غير ذلك كما يقوله أبو العالية والسدي ﴿يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك، كما قال تعالى عن قوم فرعون ﴿فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] وكما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ﴾ [الحج:١١]، وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا وهم كارهون له في نفس الأمر، ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى أتباعهم النبي ﷺ. وقال السدي: وإن تصبهم حسنة، قال: والحسنة الخصب، تنتج مواشيهم وخيولهم، ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان، قالوا ﴿هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ والسيئة الجدب والضرر في أموالهم، تشاءموا بمحمد ﷺ وقالوا ﴿هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ يقولون: بتركنا ديننا واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء، فأنزل الله ﷿ ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ فقوله: قل كل من عند الله، أي الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قل كل من عند الله، أي الحسنة والسيئة. وكذا قال الحسن البصري. ثم قال تعالى منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب، وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلم ﴿فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾.
ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾.
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكر قريبا من النبي ﷺ، وجلس عمر قريبا من أبي بكر، فقال رسول الله ﷺ: «لم