للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ٨] الآية. قال عكرمة: نزلت هذه الآية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكة منهم علي بن أمية بن خلف وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبّه بن الحجاج والحارث بن زمعة، قال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي بترك الهجرة ﴿قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ أي لم مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة ﴿قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض ﴿قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً﴾ الآية.

وقال أبو داود (١): حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثني يحيى بن حسان، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب، أما بعد، قال رسول الله : «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله»، وقال السدي: لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول الله للعباس: «افد نفسك وابن أخيك» فقال: يا رسول الله، ألم نصل إلى قبلتك، ونشهد شهادتك، قال «يا عباس، إنكم خاصمتم فخصمتم»، ثم تلا عليه هذه الآية ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً﴾ الآية، ورواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ إلى آخر الآية، هذه عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾، قال مجاهد وعكرمة والسدي:

يعني طريقا.

وقوله تعالى: ﴿فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ أي يتجاوز من الله عنهم بترك الهجرة، عسى من الله موجبة، ﴿وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً﴾، قال البخاري (٢): حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: بينا رسول الله يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد «اللهم نجّ عياش بن أبي ربيعة، اللهم نجّ سلمة بن هشام، اللهم نجّ الوليد بن الوليد، اللهم نجّ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف».

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو معمر المقري، حدثني عبد الوارث، حدثنا


(١) سنن أبي داود (جهاد باب ١٧٠)
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة النساء باب ١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>