للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفريقين، وقد تكلمنا على هذا في كتاب السيرة وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الأمر، وإن كان الآخرون معذورين أيضا، والحجة هاهنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود.

وأما الجمهور فقالوا: هذا كله منسوخ بصلاة الخوف، فإنها لم تكن نزلت بعد، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك، وهذا بين في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشافعي وأهل السنن، ولكن يشكل عليه ما حكاه البخاري في صحيحه حيث قال:

[باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو] قال الأوزاعي: إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة، صلوا إيماء كل امرئ لنفسه، فإن لم يقدروا على الإيماء، أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال، أو يأمنوا فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا، وبه قال مكحول. وقال أنس بن مالك:

حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر، واشتد اشتعال القتال، فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى، ففتح لنا، قال أنس:

وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها انتهى ما ذكره، ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب، ثم بحديث أمره إياهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، وكأنه كالمختار لذلك، والله أعلم.

ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبا، ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطاب، ولم ينقل أنه أنكر عليهم ولا أحد من الصحابة، والله أعلم، قال هؤلاء: وقد كانت صلاة الخوف مشروعة في الخندق لأن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول الجمهور علماء السير والمغازي، وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق (١) وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم. وقال البخاري (٢) وغيره: كانت ذات الرقاع بعد الخندق لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر، والله أعلم.

والعجب كل العجب أن المزني وأبا يوسف القاضي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية، ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره الصلاة يوم الخندق وهذا غريب جدا، وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف، وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب، والله أعلم. فقوله تعالى: ﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ أي إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف، وهذه حالة غير الأولى، فإن تلك قصرها


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٠٣ والمغازي للواقدي ١/ ٣٩٥.
(٢) صحيح البخاري (مغازي باب ٣٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>